ظهر مصطلح العمارة التفكيكية في أوائل ثمانينات القرن الماضي علي يد المفكر والفنان الفرنسي ذو الأصل الجزائري جاكي داريدا الذي أثارت مشاركته في مسابقة بارك دي لافيت للعمارة في عام 1982 انتباه الخبراء والمعماريين والفنانين لما سماه داريدا بالعمارة التفكيكية او التكسيرية Deconstructvism.
الفكرة التي بدأها داريدا في العمارة ظهرت منذ عقود من خلال جماعات المعارضة السياسية في روسيا وظهرت في أعمال فنية تجريدية.
واتفقت التفكيكية الفنية والمعمارية عموماً علي مرتكزات ثقافية موحدة تتمثل في الثورة علي التراث، والتخلص من قيم البرجوازية، ومعاداة الكلاسيكية..وبالتالي حملت طباع الجيل الجديد من الفنانين الشبان أصحاب النفوس الصاخبة المليئة بالثورة والأفكار الانقلابية، والساخطين علي الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلادهم.
فلسفة التفكيك في العمارة تعني تجريد الأشكال الهندسية الأساسية، وتشكيلها معاً بشكل لا إقليديسي – نسبة إلي إقليدس عالم الرياضيات، ونظرياته في الهندسة والفراغات – للتعبير عن أفكار ثقافية أو نقدية معينة.
ومن هذا المنطلق نجد ان أعمال المعماريين التفكيكيين تتجاوز رغبات السكان، ولا تهتم بشكل أساسي بالاحتياجات والقياسات البشرية..بقدر اهتمامها بتحقيق الرؤية الفكرية المتمثلة في التكوين الفراغي الداخلي، او أشكال الواجهات الخارجية التي قد تكون غير مريحة او مناسبة لمن يسكن بالمبني.
مبني المكتبة المركزية – سياتل – الولايات المتحدة :مبني غريب الشكل في قلب مدينة سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية، صممه المعماري ريم كولاس
الشكل الخارجي يؤثر علي التشكيل الفراغي الداخلي، فينتج مساحات جلوس وممارسة أنشطة غير مريحة وقد تكون مؤذية لنفسية الانسان..ولكن هذه هي فلسفة العمارة التفكيكية، ولهذا وجه إليها النقد علي انها عمارة استعراضية وليست صالحة للمعيشة والاستخدام.
المبني السكني الدوار – السويدمبني سكني بأرتفاع 190 متر، يتألف من 54 طابقاً، تشكل كل خمسة طوابق منه وحدة منفصلة، تدور كل وحدة بإزاحة معينة عن التي سبقتها مما يُنتج هذا الشكل المخيف.
بالنسبة للسياح يكون هذا عنصر بصري جميل من معالم المدينة، ولكن هل يمكنك فعلاً احتمال فكرة الحياة داخله دون خوف؟
المنزل الراقص – براج – التشيكمنزل بوسط العاصمة التشيكية، صممه فرانك جيري الامريكي الشهير، وبه تشكيلات غريبة وصادمة مثل الواجهة المسحوقة، والقبة العلوية الثائرة..فلا يمكن بالضبط فهم المعني الذي أراد المصمم إيصاله الا انه يؤكد معاني الثورة والغضب علي ما هو قائم.
الإضاءة الليلية للمبني تجعله عنصراً جذاباً في وسط المدينة.
معهد التكنولوجيا الأمريكي MIT – الولايات المتحدةالمعهد المتخصص في تخريج عباقرة الولايات المتحدة في الالكترونيات..لابد وان يكون تصميمه فريد، شارك فيه المعماري فرانك جيري مرة أخري. وهو عبارة عن مستطيلات بها تكسيرات حادة غريبة الشكل.
النقد الموجة للعمارة التفكيكيةبالتأكيد النصال الموجهة لمدرسة العمارة التفكيكية جاهزة، وأهمها مبدأ السببية او الوظيفة المعمارية، فمن الممكن ان تجد عموداً في غرفة طعام بدون داع، او تجد سلاحاً من الحديد والزجاج قاطع لسقف المبني بدون وجود سبب وظيفي مقنع اللهم الا الشكل الفني الخارجي.
كذلك التخلي عن التراث الثقافي الحضاري، فمن مناهج التفكيك التخلي عن الزخارف والعناصر العمرانية التراثية مثل المشربية (في الثقافة الاسلامية) واستبدالها بعناصر اخري حادة ومركبة وصادمة للعين.
قالوا عنها ..
• حركة هندسية تدعو الى هدم كل الاسس الهندسية الاقليدسية .
• تدعو إلي تفكيك المنشأت إلي أجزاء .
• تدعو إلي إعادة النظر في العلاقات سواء انسانية، او عمرانية.
• مرتبطة بفطرة الانسان حيث ان الطفل يفكك اللعبة والراديو بشغف لمعرفة محتوياته وكيف يعمل من هنا يمكن ادراك ان الديكونستركشن من الغرائز الاساسية المبهجة للانسان.
• عمارة التكسير واللاتماثل واللا اتساق.
• عمارة مليئة بالمفاجئات الغير متوقعة.
• تستخدم مفردات العمارة الكلاسيكية بصورة معكوسة او مشوهه.
• تحتاج الى كتالوج لفهم الافكار.
• صعبة الفهم لعامة الناس.
• اعمال تحتاج الى القراءة عنها قبل مشاهدتها.
النظرة في الكليات الهندسية العربيةكطالب في كلية هندسية مصرية، وجدت ان العمارة التفكيكية تثير شغف الطلبة وتغريهم الأشكال الغريبة –التي تكون جميلة في كثير من الأحيان – التي يمكنهم تكوينها باستخدام التفكيك وإعادة التركيب..ولكن الرأي الأكاديمي عموماً يتجه إلي رفضها لأنها لا تلائم الثقافة العربية المتمسكة بالتراث، وبالتحفظ الاجتماعي في مسائل الخصوصية وعلاقتها بالواجهات الزجاجية.
بالإضافة إلي ان السوق العقاري العربي –بأستثناء العقارات السياحية الخليجية- يتجه إلي الاستسهال في البناء، ووضع التصميمات المربعة سهلة البناء والتشييد.
ولكن مع انطلاق الاجيال الجديدة المفعمة بالثورة والأفكار والتطلعات هل يمكن ان نري ثقافة جديدة تنتهج مبدأ التكسير/ التفكيك في البناء في العمارة الاسلامية والعربية ؟