الإنفلونزا.. القاتل الناعم!
الإنفلونزا يتسبب فيها فيروس يمكن أن يهاجم أساسا الجزء العلوي من الجهاز التنفسي والأنف والحلق والقصبات الهوائية ونادرا الرئتين. وعادة تستمر العدوى لنحو أسبوع. وتتميز ببداية ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة وصداع وانحراف حاد في الصحة وسعال بلا بلغم وقرحة في الحلق مع التهاب الأنف.
والغالبية العظمى من الناس تتعافى خلال أسبوع أو أسبوعين من دون أن تتطلب أي علاج طبي. وبالنسبة للأطفال والكبار والذين يعانون من ظروف صحية مثل أمراض الرئة والسكري والسرطان والكلى ومشكلات في القلب وقتها فإن الإنفلونزا تشكل خطرا كبيرا عليهم.
وبالنسبة لهؤلاء فإن العدوى يمكن أن تؤدي إلى تطورات حادة للأمراض الأولية والتهاب رئوي قد يؤدي إلى الموت.
والإنفلونزا تنتشر حول العالم في فصول وبائية وتفرض عبئا اقتصاديا كبيرا يتمثل في تكلفة العلاج في المستشفى وتكاليف صحية أخرى وفقدان للإنتاج. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال قدر مؤخرا أن تكلفة الإنفلونزا على الاقتصاد الأمريكي تصل إلى نحو 167 مليار دولار في العام.
وتقدر حالات الإصابة بالإنفلونزا سنويا ب 5 إلى 15% من البشر معظمهم يصابون في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي ونادرا ما يضطر المريض إلى دخول المستشفى ونادرا أيضا ما تحدث حالات وفاة إلا للذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة أو كبار السن. ويقدر عدد الوفيات حول العالم بسبب مرض الإنفلونزا وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2003 ما بين 250 ألفاً إلى 500 ألف شخص كل عام. وعادة ما يحدث هذا لدى كبار السن اكبر من 65 عاماً.
وفيروسات الإنفلونزا المنتشرة حاليا في العالم والتي تسبب الأمراض تنقسم إلى مجموعتين A ويندرج تحت هذه المجموعة نوعان هامان للإنسان الأول (ah1n1 & Ah3n2) حيث الثاني هو حاليا الذي يمكن أن يسبب الوفاة. فيروسات الإنفلونزا تعرف بأن لها عنصرين من البروتين مختلفين أحدهما يعرف بالأجسام المضادة والآخر على سطح الفيروس.
والتكوين الجيني لفيروسات الإنفلونزا تسمح لها بحدوث تغيرات محورية دائمة تعرف باسم مسار الأجسام المضادة وهذه التغيرات تتطلب إعادة صياغة سنوية للقاحات الإنفلونزا.
الإنفلونزا الوبائية
وخلال القرن العشرين غيّر فيروس الإنفلونزا من النوع A من نفسه ثلاث مرات وخاصة في تكوين العنصر البروتيني H مما تسبب في وباء عالمي وفي العديد من حالات الوفيات. وكان اشهر وباء هو المعروف بوباء الإنفلونزا الاسبانية الذي وصل إلى أجزاء كبيرة في العالم وقتل نحو 40 مليون إنسان ما بين 1918 و1919.
ومؤخراً ظهر نوعان من الإنفلونزا الوبائية حدثا ما بين 1957 وهما: الإنفلونزا الآسيوية وعام 1968 وإنفلونزا هونج كونج. وقد تسببت في انتشار كبير وفي حالات وفيات ضخمة. وقد صا
هذه الأوبئة نتائج حادة وسط الشباب على الرغم من أنها لم تكن بمعدلات مأساوية كما حدثت في الإنفلونزا الاسبانية. ومؤخرا أيضا كان هناك انتشار محدود لنوع من الإنفلونزا الذي ينتقل مباشرة عبر الطيور إلى الإنسان وقد حدث في هونج كونج في عامي 1997 و2003.
الانتقال السهل
ينتقل فيروس الإنفلونزا بسهولة من إنسان إلى آخر عبر الجو من خلال ذرات دقيقة تفرز في الجو عندما يعطس أو يسعل الشخص المصاب. وفيروسات الإنفلونزا تدخل الجسم من خلال الأنف والحلق. وتأخذ ما بين يوم إلى أربعة أيام حتى يظهر على الإنسان المرض. والشخص الذي يعاني من الإنفلونزا يمكن أن ينقل المرض من يوم قبل أن تتطور الأعراض حتى سبعة أيام بعدئذ.
المرض ينتقل بسرعة شديدة وسط الناس خاصة في المناطق المزدحمة. والطقس البارد والجاف يمكنّا الفيروس من أن يعيش لفترة أطول خارج الجسم وكنتيجة لهذا فإن انتشار المرض الموسمي في المناطق المعتدلة المناخ يظهر في الشتاء.
وأمراض الجهاز التنفسي التي تتسبب بها الإنفلونزا من الصعب أن تتحدد وفقا للأمراض التي تتسبب فيها جراثيم أخرى تصيب الجهاز التنفسي على أساس الأعراض وحدها. ولكن على أية حال خلال انتشار الإنفلونزا فإن أغلبية الأشخاص يبحثون عن نصيحة طبية لعدوى الجزء العلوي من الجهاز التنفسي ويجب الحصول على تأكيد المعمل ما بين فترات انتشار الإنفلونزا. واختبارات التشخيص السريعة بالتأكيد أصبحت متوفرة ويمكن أن تستخدم للكشف على فيروسات الإنفلونزا خلال 30 دقيقة.
وعلى الرغم من توفر اختبارات التشخيص السريعة فإن مجموعة النماذج أو العينات المعملية للزرع الفيروسي يظل حاسماً في توفير المعلومات التي تخص انتشار أنواع الإنفلونزا المختلفة وأصولها. وهذا يحتاج إليه للوصول إلى قرار فيما يخص علاج الإنفلونزا وتركيبة اللقاح للعام التالي.
أنواع اللقاحات ضد الإنفلونزا
إن اللقاح هو إجراء أساسي لمنع الإنفلونزا، ويقلل من تأثير انتشار المرض بشكل وبائي، وقد أصبحت متوفرة مؤخراً أنواع مختلفة من لقاحات الإنفلونزا وتستخدم منذ اكثر من 60 عاماً وهي آمنة وفعالة في تجنب كل من النتائج المتوسطة والحادة من الإنفلونزا. ويوصى كبار السن والأشخاص الذين يعتبرون في خطر التعرض للأعراض المرتبطة بالإنفلونزا بسبب ظروفهم الصحية الأساسية بوجوب أن يتلقوا اللقاح. ووسط كبار السن فإن اللقاح يعتقد أنه يقلل من تأثير النتائج المرتبطة بالمرض بنسبة 60 % ومن الوفاة بسبب الإنفلونزا بنسبة 70 إلى 90% وتعتمد فاعلية لقاح الإنفلونزا بشكل أساسي على السن وحالة الجهاز المناعي الذي يتلقى اللقاح ودرجة التشابه بين الفيروسات في اللقاح وتلك التي في دورة المرض.
العلاج والوقاية من المرض:
مضادات الفيروسات
بالنسبة للأغلبية فإن الإنفلونزا هي عدوى في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي التي تستمر لعدة أيام وتتطلب علاجاً للأعراض فقط. وعادة خلال أيام فإن جسم الشخص سوف يقضي على الفيروس. والمضادات الحيوية مثل البنسلين الذي صمم من اجل قتل البكتيريا لا يمكن أن يهاجم الفيروس. ولهذا فإن المضادات الحيوية ليس لها دور في علاج الإنفلونزا لدى الأشخاص الأصحاء وإن كانت تستخدم لعلاج مضاعفات المرض.
ولكن العقاقير المضادة للفيروسات بالنسبة للإنفلونزا هي مساعد إضافي للقاح الإنفلونزا للعلاج والوقاية ضدها. وعلى أية حال فهي ليست بديلاً عن اللقاح. ولعدة سنوات قد توفرت أربعة أنواع من مضادات الفيروسات عملت على منع فيروس الإنفلونزا. وهي تختلف في تأثيرها الدوائي وآثارها الجانبية وطرق استخدامها والأعمار المستهدفة وأيضا تكلفتها.
ولكن عقاقير مضادات الفيروسات المتوفرة هي غالباً عالية الثمن وهي فعالة فقط ضد النوع A وقد ترتبط بأعراض جانبية حادة منها الهذيان ونوبات تشنج تحدث غالباً لدى كبار السن مع الجرعات العالية وعندما يستخدم علاج وقائي للإنفلونزا الوبائية بجرعات قليلة؛ فإن هذه الأعراض الجانبية قلما تحدث بالإضافة إلى ان الفيروس يميل إلى تطوير مقاومته لهذه العقاقير.
الحمى الصفراء:
هي مرض فيروسي يسبب أمراضاً وبائية ضخمة في افريقيا والأمريكتين. ويمكن التعرف اليه من نصوص تاريخية ترجع إلى 400 عام. والعدوى تسبب أنواعاً مختلفة من الأمراض منها التي لها أعراض معتدلة ومنها التي تسبب أمراضاً حادة قد تؤدي الى الموت.
الأصفر هو اسم لشرح مرض اليرقان الذي يؤثر في بعض المرضى. وعلى الرغم من أن اللقاح الفعال متوفر منذ نحو 60 عاما فإن عدد المصابين بالمرض قد تزايد خلال العقدين الماضيين واصبح مرض الحمى الصفراء الآن مرضاً خطيراً.
ويتسبب في المرض فيروس من مجموعة تسمى فيروسات الفلافين، وفي افريقيا هناك نوعان مختلفان في تركيبهما الجيني ويطلق عليهما التوبوتيبس، ومرتبطان بغرب وشرق افريقيا. أيضا أمريكا الجنوبية لديها نوعان من المرض ولكن منذ عام 1974 هناك نوع واحد تم التعرف اليه بأنه يسبب الموت.
والفيروس يظل ساكناً في الجسم خلال فترة الحضانة لمدة ثلاثة إلى ستة أيام. وبعدها تظهر مرحلتان للمرض. وفي حين أن بعض أنواع العدوى ليس لها أعراض إلا أن المرحلة الأولى هي المرحلة الحادة وعادة تتميز بارتفاع درجة الحرارة ووجود ألم في العضلات مع ألم حاد في الظهر وصداع ورجفة وفقدان للشهية وغثيان أو قيء وعادة ارتفاع درجة الحرارة يرتبط بانخفاض في النبض. وبعد ثلاثة إلى أربعة أيام معظم المرضى يتحسنون وتختفي الأعراض.
ولكن 15% من المرضى يدخلون المرحلة الثانية والتي تعرف بالمرحلة السمية خلال 24 ساعة. حيث يعود ارتفاع درجة الحرارة وتتأثر أجهزة مختلفة في الجسم وسرعان ما يعاني المريض من مرض اليرقان أو الصفرة ويشكو من ألم في المعدة مع قيء. ويمكن أن يحدث نزيف من الفم والأنف وأحيانا العين أو المعدة. وبمجرد أن يحدث هذا يظهر الدم في القيء ويتدهور عمل الكليتين ويمكن أن يراوح هذا ما بين ارتفاع معدلات البروتين في البول أو فشل كامل في عمل الكلى من دون إفراز للبول، ونصف الذين يدخلون المرحلة السمية يلقون حتفهم خلال 10 أيام أو 14 يوماً على الأكثر والبقية قد تُشفى من دون حدوث تلف كبير في الأعضاء.
من الصعب تشخيص الحمى الصفراء خاصة خلال المرحلة الأولى حيث يمكن بسهولة أن يتم الخلط بينها وبين الملاريا أو التيفوئيد أو أمراض الكساح والحمى الفيروسية النزيفية أو مرض حمى الضنك المعروفة باسم أبو الركب الذي يتسبب به أحد الفيروسات والتهاب الكبد الفيروسي والتسمم. وهنا يكون التحليل المعملي لازماً لتأكيد الحالة وخاصة تحليل الدم لتشخيص الأجسام المضادة للحمى الصفراء التي تنتج استجابة للعدوى. وهناك أساليب أخرى تستخدم للتعرف الى الفيروس نفسه في عينات الدم أو أنسجة الكبد التي تؤخذ بعد الوفاة. وهذه الاختبارات تتطلب معامل متخصصة وفريق تحليل معملي عالي الخبرة يستخدم معدات ومواد خاصة.
الفيروس موجود بشكل ثابت في مناطق استوائية معينة الآن في افريقيا والأمريكتين. ويمكن أن يتحول الوجود الفيروسي إلى وباء منظم. وحتى بداية القرن العشرين كانت الحمى الصفراء قد انتشرت أيضا في أوروبا وجزر الكاريبي وأمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى.
و حاليا هناك 33 دولة يصل تعداد سكانها إلى 508 ملايين نسمة يواجهون خطر التعرض للمرض وهم في افريقيا، أما في الأمريكتين فإن المرض مستوطن في 9 دول في أمريكا الجنوبية وفي عدد من جزر الكاريبي وبوليفيا والبرازيل وكولومبيا والإكوادور وبيرو التي تعتبر من الدول الأعلى تعرضا للخطر.
وهناك نحو 200 ألف حالة تقدر بالحمى الصفراء مع 30 ألف حالة وفاة في العام. وعلى أية حال فإن نسبة ضئيلة من هذه الحالات يتم التبليغ عنها. وعلى الرغم من أن الحمى الصفراء لم يتم الإبلاغ عنها من آسيا فإن هذه المنطقة في خطر بسبب وجود أنواع معينة من الحيوانات والبعوض.
البشر، والقرود هي من الحيوانات الأساسية التي تتعرض للعدوى. الفيروس يحمل من حيوان لآخر من خلال البعوض الذي يمكن أيضا أن يمرر الفيروس من خلال البيض المصاب بالعدوى إلى الحيوان أو الإنسان . والبيض الذي ينتج مقاوم للجفاف، وترقد البيضة ساكنة من خلال الظروف الجافة وتفقس عندما تبدأ المواسم الممطرة، ولهذا فإن البعوض يعتبر مستودعاً للفيروس ويعمل على انتقاله من عام الى آخر.
العلاج:
لا يوجد علاج محدد للمرض وإن كان العلاج الوحيد المتوفر هو المضادات الحيوية، وأيضا الرعاية الصحية المركزة، ويمكن أن تؤدي إلى تحسن نتائج الإصابة بالعدوى للمرضى الذين يصلون إلى حالات حادة ولكنها نادرا ما تتوفر في الدول النامية الفقيرة.
الوقاية:
اللقاح هو أهم إجراء للوقاية من الحمى الصفراء، كما أن السيطرة على انتشار البعوض وتكاثره في بعض المناطق وخاصة النوع المعروف بالبعوض البري يمكن أن يستخدم للوقاية من انتقال الفيروس حتى يؤتي اللقاح بنتائجه.
ولقاح الحمى الصفراء آمن وفعال وتحدث نتائجه خلال أسبوع من التلقيح به وجرعة واحدة من اللقاح توفر حماية إلى عشر سنوات وأحيانا مدى الحياة، وقد منحت مؤخرا اكثر من 300 مليون جرعة حول العالم، كما أن أعراضه الجانبية نادرة وينصح أي إنسان سوف يسافر إلى المناطق التي ينتشر بها الفيروس بالحصول على اللقاح. في حين أن منظمة الصحة العالمية تنصح بحصول الأطفال على اللقاح بشكل روتيني من سن تسعة أشهر في نفس الوقت الذي يتم فيه إعطاء الأطفال لقاح الحصبة.